اسباب فقدان الوزن

اسباب فقدان الوزن

أسباب فقدان الوزن غير المبرر: دليل شامل ومتى يجب أن تقلق

فقدان الوزن هو أمر يسعى إليه الكثيرون كجزء من رحلتهم نحو حياة صحية أفضل. غالبًا ما يكون نتيجة لتغييرات مدروسة في النظام الغذائي وزيادة النشاط البدني. ومع ذلك، عندما يحدث فقدان الوزن بشكل غير مبرر، أي دون بذل جهد متعمد لإنقاص الوزن أو دون تغييرات واضحة في نمط الحياة، فإنه يصبح علامة تستدعي الانتباه، وربما القلق. إن إدراك الأسباب المحتملة وراء هذا النقص المفاجئ في الوزن أمر بالغ الأهمية لتحديد ما إذا كانت هناك حالة طبية كامنة تتطلب التشخيص والعلاج.


فهم فقدان الوزن “غير المبرر”

قبل الغوص في الأسباب، دعنا نحدد ما نعنيه بـ “غير المبرر”. يعني ذلك أنك لم تغير نظامك الغذائي لتقليل السعرات الحرارية، ولم تزد من مستوى نشاطك البدني بشكل ملحوظ، ولم تتعمد فقدان الوزن بأي شكل من الأشكال. يعتبر الأطباء فقدان 5% أو أكثر من وزن الجسم الكلي خلال فترة تتراوح بين 6 إلى 12 شهرًا، دون سبب واضح، بمثابة علامة حمراء تستدعي التقييم الطبي. على سبيل المثال، إذا كان وزنك 70 كيلوجرامًا وفقدت 3.5 كيلوجرامًا أو أكثر خلال هذه الفترة، فهذا يستدعي استشارة الطبيب.


الأسباب الشائعة لفقدان الوزن غير المتعمد

تتراوح الأسباب الكامنة وراء فقدان الوزن المفاجئ من الحالات الشائعة نسبيًا التي يمكن التحكم فيها إلى حالات صحية أكثر خطورة تتطلب تدخلًا فوريًا.

1. فرط نشاط الغدة الدرقية (Hyperthyroidism)

الغدة الدرقية، وهي غدة صغيرة على شكل فراشة تقع في مقدمة العنق، تلعب دورًا حيويًا في تنظيم عملية الأيض في الجسم. عندما تفرز الغدة الدرقية كميات زائدة من هرموناتها (الثيروكسين وثلاثي يودوثيرونين)، تُسرع عملية الأيض بشكل مفرط، وهي الحالة المعروفة بفرط نشاط الغدة الدرقية. هذا التسارع يعني أن الجسم يحرق السعرات الحرارية بمعدل أسرع بكثير من المعتاد، حتى في أوقات الراحة، مما يؤدي إلى فقدان الوزن الملحوظ على الرغم من الحفاظ على نفس كمية الطعام أو حتى زيادتها.

لا يقتصر تأثير فرط نشاط الغدة الدرقية على فقدان الوزن فحسب، بل يصاحبه مجموعة من الأعراض الأخرى التي قد تكون مؤشرًا واضحًا. تشمل هذه الأعراض: زيادة معدل ضربات القلب (خفقان القلب)، الأرق وصعوبة النوم، الشعور المستمر بالحرارة والتعرق المفرط، الرعشة في اليدين، القلق والعصبية، ضعف العضلات، وزيادة في حركات الأمعاء. في بعض الحالات، قد يلاحظ المريض تضخمًا في الغدة الدرقية نفسها (الدراق). يعد تشخيص فرط نشاط الغدة الدرقية أمرًا بسيطًا نسبيًا من خلال اختبارات الدم التي تقيس مستويات هرمونات الغدة الدرقية والهرمون المنشط للدرقية (TSH). العلاج متاح وفعال لإعادة الغدة الدرقية إلى حالتها الطبيعية، مما يؤدي إلى استقرار الوزن وتحسن الأعراض الأخرى.

2. أمراض الجهاز الهضمي وسوء الامتصاص

يعد الجهاز الهضمي مسؤولاً عن تكسير الطعام وامتصاص العناصر الغذائية الضرورية للجسم. عندما يعاني هذا الجهاز من مشكلات أو أمراض، قد تتأثر قدرته على امتصاص الفيتامينات والمعادن والسعرات الحرارية بشكل فعال، مما يؤدي إلى فقدان الوزن وسوء التغذية. تشمل أبرز الأمراض التي تندرج تحت هذه الفئة:

  • مرض الاضطرابات الهضمية (السيلياك): هو حالة مناعية ذاتية حيث يؤدي تناول الغلوتين (بروتين موجود في القمح والشعير والجاودار) إلى تلف بطانة الأمعاء الدقيقة. هذا التلف يعيق امتصاص العناصر الغذائية، مما يؤدي إلى فقدان الوزن، بالإضافة إلى الإسهال، الانتفاخ، وآلام البطن. التشخيص يتطلب اختبارات دم وخزعة من الأمعاء، والعلاج هو الالتزام الصارم بنظام غذائي خالٍ من الغلوتين.
  • مرض كرون والتهاب القولون التقرحي (IBD): هما نوعان من أمراض الأمعاء الالتهابية المزمنة التي تسبب التهابًا في الجهاز الهضمي. يمكن أن يؤثر هذا الالتهاب على أي جزء من الجهاز الهضمي في مرض كرون، بينما يقتصر التهاب القولون التقرحي على الأمعاء الغليظة. يؤدي الالتهاب المستمر إلى آلام مزمنة، إسهال، فقدان شهية، وبالتالي فقدان الوزن وسوء التغذية. تتطلب هذه الأمراض علاجًا طبيًا مستمرًا لإدارة الالتهاب.
  • التهاب البنكرياس المزمن: البنكرياس ينتج إنزيمات ضرورية لهضم الدهون والكربوهيدرات والبروتينات. عندما يكون البنكرياس ملتهبًا بشكل مزمن، تقل قدرته على إنتاج هذه الإنزيمات، مما يؤدي إلى سوء الهضم وفقدان الوزن، بالإضافة إلى آلام البطن الشديدة، الإسهال الدهني، وارتفاع السكر في الدم.

3. داء السكري غير المشخص أو غير المتحكم به

في داء السكري، لا يستطيع الجسم استخدام الغلوكوز (السكر) للحصول على الطاقة بشكل فعال. في حالة السكري من النوع الأول، لا ينتج الجسم الأنسولين على الإطلاق، وهو الهرمون الذي يسمح للغلوكوز بالدخول إلى الخلايا. في السكري من النوع الثاني المتقدم وغير المتحكم به، قد لا ينتج الجسم ما يكفي من الأنسولين أو لا يستطيع استخدام الأنسولين الذي ينتجه بكفاءة (مقاومة الأنسولين).

في كلتا الحالتين، عندما لا تستطيع الخلايا الحصول على الغلوكوز، فإنها تبدأ في حرق الدهون والعضلات للحصول على الطاقة البديلة. هذا يؤدي إلى فقدان الوزن السريع وغير المبرر، حتى مع زيادة الشهية وتناول الطعام. تشمل الأعراض الأخرى للسكري: العطش الشديد، التبول المتكرر، التعب الشديد، عدم وضوح الرؤية، وبطء التئام الجروح. إذا كنت تعاني من هذه الأعراض، فإن اختبارات الدم لنسبة السكر في الدم ضرورية للتشخيص والعلاج الفوري لمنع المضاعفات.

4. العدوى المزمنة

بعض أنواع العدوى، خاصة تلك التي تستمر لفترات طويلة وتصبح مزمنة، يمكن أن تستنزف موارد الجسم وطاقته بشكل كبير، مما يؤدي إلى فقدان الوزن. الجسم يستهلك طاقة إضافية لمكافحة العدوى والالتهاب المستمر. من الأمثلة البارزة:

  • السل (Tuberculosis): عدوى بكتيرية خطيرة تصيب الرئتين غالبًا، ولكن يمكن أن تؤثر على أجزاء أخرى من الجسم. من أعراضها السعال المزمن، الحمى، التعرق الليلي، وفقدان الوزن الكبير.
  • فيروس نقص المناعة البشرية (HIV) / الإيدز: في المراحل المتقدمة من العدوى بفيروس نقص المناعة البشرية، يمكن أن يؤدي ضعف الجهاز المناعي إلى فقدان الوزن الهزال (Wasting Syndrome) بسبب سوء الامتصاص، العدوى الانتهازية، وارتفاع معدل الأيض.
  • الالتهابات الفطرية المزمنة أو الطفيلية: بعض الالتهابات طويلة الأمد يمكن أن تؤثر على الجهاز الهضمي أو تسبب استجابة التهابية عامة، مما يؤدي إلى فقدان الوزن.

5. التوتر، القلق، والاكتئاب

تؤثر الصحة النفسية بشكل عميق على الصحة الجسدية، بما في ذلك الشهية والوزن. التوتر الشديد، القلق المزمن، والاكتئاب السريري يمكن أن يؤدي إلى تغييرات كبيرة في عادات الأكل. فبعض الأشخاص قد يجدون أن شهيتهم تتضاءل بشكل كبير عند الشعور بالتوتر أو الاكتئاب، مما يؤدي إلى تقليل كمية الطعام المتناول وفقدان الوزن.

بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي الاكتئاب إلى انعدام الطاقة واللامبالاة تجاه الأنشطة اليومية، بما في ذلك إعداد الطعام وتناوله بانتظام. من المهم ملاحظة أن التوتر والقلق قد يزيدان أيضًا من معدل الأيض لدى بعض الأشخاص، مما يساهم في فقدان الوزن. إذا كنت تعاني من أعراض التوتر أو القلق أو الاكتئاب التي تؤثر على وزنك أو جودة حياتك، فإن طلب المساعدة من أخصائي الصحة النفسية أمر حيوي.

6. الآثار الجانبية لبعض الأدوية

بعض الأدوية، التي تُستخدم لعلاج مجموعة متنوعة من الحالات الطبية، يمكن أن تسبب فقدان الوزن كأثر جانبي غير مرغوب فيه. قد يحدث ذلك عن طريق:

  • قمع الشهية: مثل بعض الأدوية المنشطة المستخدمة لعلاج اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD)، أو بعض الأدوية المستخدمة لعلاج الصداع النصفي.
  • إحداث الغثيان أو القيء أو الإسهال: مما يقلل من الرغبة في تناول الطعام أو يقلل من امتصاص العناصر الغذائية.
  • زيادة معدل الأيض: بشكل مباشر أو غير مباشر.

أمثلة على الأدوية التي قد تسبب فقدان الوزن تشمل: بعض مضادات الاكتئاب، أدوية الغدة الدرقية، أدوية العلاج الكيميائي، أدوية مرض السكري مثل الميتفورمين (خاصة في بداية العلاج)، وبعض الأدوية المستخدمة لعلاج أمراض القلب. إذا كنت تعتقد أن دوائك يسبب فقدان الوزن، فلا تتوقف عن تناوله دون استشارة طبيبك، حيث يمكن للطبيب تعديل الجرعة أو البحث عن بديل.

7. السرطان

يُعد فقدان الوزن غير المبرر أحد العلامات التحذيرية الهامة للعديد من أنواع السرطان، وقد يكون أول مؤشر على وجود ورم خبيث. هناك عدة آليات تساهم في فقدان الوزن لدى مرضى السرطان:

  • الاستهلاك المرتفع للطاقة: تنمو الخلايا السرطانية بسرعة وتستهلك كميات كبيرة من الطاقة (السعرات الحرارية) والمواد الغذائية من الجسم، مما يستنزف احتياطيات الطاقة ويؤدي إلى فقدان الوزن.
  • التغيرات الأيضية: يمكن أن تطلق بعض الأورام مواد كيميائية تسبب تغيرات في طريقة معالجة الجسم للطعام، مما يزيد من معدل الأيض ويؤدي إلى فقدان العضلات والدهون.
  • فقدان الشهية (Cachexia): وهو متلازمة هزال معقدة تسبب فقدانًا شديدًا للوزن والعضلات والدهون، غالبًا ما تكون مصاحبة للسرطان المتقدم وغيره من الأمراض المزمنة.
  • الغثيان والقيء: خاصة مع بعض أنواع السرطان أو علاجاتها (مثل العلاج الكيميائي)، مما يقلل من تناول الطعام.
  • الانسداد أو الضغط: إذا كان الورم يضغط على الجهاز الهضمي، فقد يؤثر على البلع أو الهضم أو الامتصاص.

إذا كان فقدان الوزن غير المبرر مصحوبًا بأعراض أخرى مثل التعب الشديد، الحمى، التعرق الليلي، آلام غير مبررة، أو تغيرات في عادات الأمعاء/التبول، فمن الضروري إجراء فحوصات شاملة لاستبعاد أو تأكيد وجود سرطان.

8. أمراض الكلى والكبد المتقدمة

تلعب الكلى والكبد أدوارًا حيوية في عملية الأيض، إزالة السموم، وإنتاج البروتينات. عندما تصبح هذه الأعضاء متضررة بشكل كبير وتصل إلى مراحل متقدمة من الفشل، فإنها تؤثر على الجسم بأكمله:

  • أمراض الكلى المزمنة: في المراحل المتقدمة، يمكن أن تسبب الكلى غير الفعالة تراكم السموم في الجسم، مما يؤدي إلى الغثيان، فقدان الشهية، والتغيرات الأيضية التي تؤدي إلى فقدان الوزن.
  • أمراض الكبد المزمنة (مثل تليف الكبد): يؤثر الكبد التالف على قدرة الجسم على هضم وامتصاص العناصر الغذائية، وتصنيع البروتينات، وتخزين الطاقة. هذا يمكن أن يؤدي إلى سوء التغذية، ضعف العضلات، وفقدان الوزن.

9. مشكلات الأسنان أو الفم

قد تبدو هذه الأسباب بسيطة، لكنها يمكن أن تؤثر بشكل كبير على قدرة الشخص على تناول الطعام بشكل مريح. الألم من الأسنان المتضررة، اللثة الملتهبة، أو أطقم الأسنان غير المناسبة يمكن أن يجعل المضغ مؤلمًا أو صعبًا، مما يدفع الشخص إلى تجنب تناول الطعام الكافي أو اختيار أطعمة سهلة البلع ولكنها قد لا تكون غنية بالسعرات الحرارية أو العناصر الغذائية. هذا يؤدي بمرور الوقت إلى فقدان الوزن.

10. الحالات العصبية

بعض الحالات العصبية قد تؤثر على قدرة الشخص على البلع أو تحكمه في الأطراف، مما يجعل تناول الطعام صعبًا أو مستهلكًا للوقت والطاقة. على سبيل المثال:

  • مرض باركنسون: قد يؤثر على التنسيق والبلع.
  • الخرف (بما في ذلك الزهايمر): يمكن أن يؤدي إلى نسيان الأكل، صعوبة في تذكر كيفية إعداد الطعام، أو فقدان الاهتمام بالطعام في المراحل المتقدمة.
  • السكتة الدماغية: قد تسبب صعوبات في البلع (عسر البلع).

متى يجب استشارة الطبيب؟

إذا لاحظت فقدانًا كبيرًا وغير مبرر في وزنك (أكثر من 5% من وزن الجسم الكلي خلال 6 إلى 12 شهرًا)، أو إذا كان فقدان الوزن مصحوبًا بأي أعراض أخرى مقلقة مثل:

  • الحمى المتكررة أو التعرق الليلي.
  • التعب الشديد الذي لا يزول بالراحة.
  • آلام غير مبررة في البطن أو أجزاء أخرى من الجسم.
  • تغيرات في عادات الأمعاء (إسهال أو إمساك مستمر).
  • النزيف غير الطبيعي.
  • كتلة أو تورم جديد.
  • صعوبة في البكلم، البلع، أو ضعف العضلات.

فمن الضروري جدًا استشارة الطبيب في أقرب وقت ممكن. سيقوم الطبيب بأخذ تاريخ طبي مفصل، وإجراء فحص جسدي شامل، وقد يطلب مجموعة من الفحوصات المخبرية (مثل تحاليل الدم الشاملة، وظائف الغدة الدرقية، وظائف الكلى والكبد، تحاليل السكر، وغيرها) أو الفحوصات التصويرية (مثل الأشعة السينية، الموجات فوق الصوتية، الأشعة المقطعية، أو الرنين المغناطيسي) لتحديد السبب الكامن وراء فقدان الوزن.

تذكر أن فقدان الوزن غير المبرر قد يكون علامة تحذيرية مبكرة لحالة صحية خطيرة تتطلب اهتمامًا طبيًا فوريًا. التدخل المبكر يزيد بشكل كبير من فرص التشخيص الصحيح والعلاج الفعال، مما يؤدي إلى نتائج صحية أفضل. لا تتجاهل هذه العلامة، فهي صحتك هي الأولوية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top